نشرت الجزيرة نت | الأربعاء 16 مارس 202
بعد أشهر من الجدل والاحتجاجات، أعلنت محكمة ولاية كارناتاكا الهندية رفض التماس قدمه محامون نيابة عن طالبات مسلمات في الولاية ضد قرار حكومي بمنع ارتداء الحجاب في مدارسها وجامعاتها، ورفضت جهات إسلامية قرار المحكمة وانتقدت الأسس التي بني عليها.
وقال رئيس محكمة الولاية ريتو راج أواستي إن الحكم الذي صدر أمس الثلاثاء، جاء ردا على 4 أسئلة قضائية طرحها المحامون، مطالبين باعتبار الحجاب جزءا من الحقوق والحريات الدينية والشخصية التي كفلها دستور الهند، لكن المحكمة رفضت ذلك الالتماس واعتبرته خاليا من الأسس الموضوعية، وأكدت على القرار الحكومي في الولاية الملزم بزي رسمي دون لبس الحجاب، كما رفضت المحكمة كذلك إجراء تحقيق تأديبي بحق المدارس التي منعت الحجاب.
وكان لافتا أن يتناول قرار المحكمة جوانب تتعلق بما هو أساسي أو غير أساسي في الدين الإسلامي، حيث قال ريتو راج أواستي رئيس مجلس محكمة ولاية كارناتاكا: “في جوابنا عن السؤال الأول، لقد أخذنا بعين الاعتبار الرأي القائل إن لبس الحجاب من قبل النساء المسلمات لا يعد جزءا من الممارسات الدينية الأساسية في الدين الإسلامي. وجوابنا عن السؤال الثاني هو أن الإلزام بزي مدرسي هو تقييد منطقي ومسموح به دستوريا، ولا يمكن للطلبة الاعتراض عليه. وجوابا عن السؤال الثالث وبناء على ذلك، فإننا نرى للحكومة الحق في إصدار قرارات حكومية بهذا الشأن، وليس لأحد دحض تلك القرارات”.
وقد ظهرت موجة من الانتقادات في وسائل الإعلام والتواصل بالهند بعد قرار المحكمة، مقابل موجة تأييد للقرار من نشطاء التيار القومي الهندوسي الذي كان قد نظم بعضهم مظاهرات رافضة للحجاب في مدارس وجامعات الولاية.
ويشكل المسلمون نسبة نحو 13% من سكان ولاية كارناتاكا، في حين تبلغ نسبة الهندوس نحو 84% في الولاية الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للهند، المطلة على بحر العرب.
استئناف ضد الحكم القضائي
وقد ترافع طالبان مسلمان أمام محكمة الاستئناف ضد حكم محكمة ولاية كارناتاكا، بعد ساعات من صدور الحكم، معتبرين الحجاب حقا من حقوق التعبير ومن الحقوق التي كفلها الدستور الهندي في مادته الـ25، ويتوقع أن تترافع جهات أخرى في نفس الشأن من شخصيات ومنظمات هندية أخرى.
كما أن الطالبات المتضررات من قرار المحكمة رفضن القرار، وأكدن في تصريحات وتغريدات لهن أنهن لن يذهبن إلى المدارس والجامعات من دون حجاب، وشددن على أن علمانية الدولة تعني حق المواطن في اتباع ثقافته ودينه، وتعهدن بمواصلة الدفاع عن حقوقهن.
وقالت إحداهن إنهن يشعرن بحالة من الانهيار والصدمة. وعندما سأل صحفي إحدى الطالبات إن كان الحجاب أهم من التعليم بالنسبة لها، ردت عليه قائلة “تكررون علينا هذا السؤال، وأنا بدوري أسأل الحكومة هل الزي الموحد أهم بالنسبة لهم من تعليمنا، فهم الذين يجبروننا على البقاء في منازلنا، وحكم المحكمة غير دستوري”.
وقالت الطالبة عالية أسدي، وهي من المعنيات بالقرار -في تغريدة مصورة لها- إنها كانت تثق في المنظومة القضائية، لكن الحكم القضائي اليوم لم يكن عادلا بحقها وحق زميلاتها، وأكدت أنها لم تكن لتكافح وتخاطر بمستقبلها التعليمي لو لم يكن الحجاب من تعاليم الإسلام الأساسية، وتعهدت بألا تتوقف في نضالها لاستعادة حقوقها وحقوق الطالبات المحجبات.
الجبهة الشعبية: المسلمون تغيروا كثيرا
وفي حوار مع الجزيرة نت، قال الأمين العام للجبهة الشعبية في الهند أنيس أحمد إن الأقليات في الهند ستتحدى أي قرار يسعى لسلبهم حقوقهم الدينية، مشددا على أن المسلمين في الهند تغيروا كثيرا منذ ظهور الحركة الاحتجاجية ضد تعديل قانون الجنسية، وهم الآن يعرفون كيف يطالبون بحقهم بالسبل الديمقراطية، والوحدة بين المسلمين تعززت بشكل لم نره في الماضي، بحسب قوله.
وأضاف الأمين العام للجبهة الشعبية -وهي اتحاد لحركات اجتماعية حقوقية تنشط في 23 ولاية هندية منذ نحو عقدين- أن “قوى الهندوتفا الفاشية ستسعى لفرض ذلك القرار في ولايات عدة، وفي أماكن أخرى غير المدارس، لأن مقصدهم التضييق على المسلمين وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، وقد لاحظنا أن قضايا كثيرة بدأت تثار حول الصلاة والحلال والأذان، والهدف من كل هذا خلق حالة كراهية ضد المسلمين، وقد نجحوا -إلى حد ما- في خلق مشاعر الكراهية هذه”.
واستغرب أنيس أحمد من وجهة الحكم القضائي لمحكمة ولاية كارناتاكا، قائلا “إن الحكم القضائي قد ذهب باتجاه مختلف، فبدلا من أن تقضي المحكمة بشأن حقوق الأفراد انشغلت بالتفسيرات الدينية، وكان يفترض أنه في ظل نظام ديمقراطي لا تتدخل المحكمة في المعتقد الديني، ولا تحاول تفسير النصوص الدينية لأن ذلك من مسؤولية علماء الدين، ولا يمكن للمحكمة -بناء على قليل من الترجمات لبعض الآيات- أن تخبر أتباع دين معين عما هو أساسي في دينهم”.
علماء الهند يحذرون
وقد عبّرت جمعية علماء الهند على لسان رئيسها مولانا محمود مدني عن عميق خيبة أملها من قرار المحكمة، محذرة من أن ذلك قد يكون له أثر عكسي على الحريات الدينية وحق تعليم البنات المسلمات في الهند، في ظل “الأجواء الطائفية القائمة”.
وأشار إلى ارتباط المسلمات بدينهن، وأنه لا يمكن أن يمحى ذلك بتدخل قضائي على حد قوله، وأن فهم أي دين يعود إلى التفسير المعتمد من قبل علماء ذلك الدين، داعيا الحكومات المحلية وكذا المركزية إلى الوفاء بواجباتها في حماية الثقافة والتقاليد لكل فئة مجتمعية؛ “حماية للمصلحة الوطنية الأعم”، ودعا الشباب إلى “ضبط النفس”.
أما البرلماني رئيس حزب مجلس اتحاد المسلمين في عموم الهند أسد الدين أويسي، فقد اعتبر -في أكثر من حديث تلفزيوني له في قنوات هندية- الحكم القضائي استهدافا لدين بعينه، وتدخلا في تفسير ما هو أساسي وما هو غير أساسي، مؤكدا على عدم اتفاقه مع الحكم القضائي برمته، وأشار إلى أن المحكمة بقرارها هذا تفرض على الطالبات الاختيار بين التعليم واتباع الأمر الإلهي.
وقال أويسي إن الطالبات ذهبن إلى المحكمة ليسمح لهن بارتداء الحجاب مع الزي الرسمي وليس من دونه، واستغرب من أسلوب صياغة القضاة للأسئلة في حكمهم القضائي، كطرح السؤال عما إذا كان الحجاب أساسيا في الدين الإسلامي، وهو ما لم يسأل عنه محامو الفتيات المسلمات.
وانتقد تشبيه المحكمة المدارس والجامعات بالجيش والسجون من حيث الزي الموحد، كما تساءل عن اعتبار القضاة قرارهم مسعى للحفاظ على وحدة شكل أو ثقافة معينة، مع أن دستور الهند قائم على التعددية.
وعبر أويسي عن أمله في ألا يمنح الحكم القضائي تسويغا للاعتداء على المسلمات المحجبات في البلاد، في المصارف والمستشفيات والمواصلات العامة، داعيا إلى الاستئناف ضد الحكم خاصة من قبل مجلس الأحوال الشخصية لمسلمي الهند ومنظمات دينية أخرى، منبها في حديثه إلى أن لكل دين تعاليم أساسية، وأن “الدولة لها الحق في التدخل في الحريات الدينية إذا كانت الممارسات التعبدية مؤذية للآخرين، والحجاب لا يؤذي أحدا”.
منظمة طلابية: القرار يهدد تعليم المسلمات
من جانبها، قالت منظمة الطلبة المسلمين في الهند -في بيان لها- إن منع الحجاب في المؤسسات التعليمية يمثل قرارا في غاية الإشكالية، ولا بد أن يواجه استئنافا في محكمة اتحادية.
وقال رئيس المنظمة الطلابية محمد سلمان إنه يجب ألا يكون ذلك الحكم القضائي مدعاة لتوسيع دائرة مضايقة المحجبات في المدارس والجامعات، في المناطق الواقعة خارج الولاية القانونية لمحكمة ولاية كارناتاكا.
وأشارت منظمة الطلبة المسلمين إلى أن القضاة تجاوزوا حق التعليم للمسلمات إلى الحكم على ما إذا كان الحجاب أساسيا في الدين الإسلامي أم لا، كما ذهبت المحكمة إلى تفسير الزي الموحد بأنه وجه واحد للباس، “متجاهلة مبادئ التسامح والتوازن والاحتواء التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجتمع تعددي دينيا وثقافيا مثل الهند”.
ورفضت المنظمة الطلابية المسلمة ما أسمته بـ”القراءة الانتقائية لترجمة معينة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، وتجاهل التفاسير والترجمات الأخرى، والاعتماد على مصادر معينة للوصول إلى القول إن الحجاب ليس من التعاليم الأساسية في الإسلام”.
وقد ذكر بيان المنظمة الطلابية أن الحجاب اندمج مع الزي المدرسي في آلاف المؤسسات التعليمية في مختلف مناطق الهند لعقود ماضية دون أي مساس بالنظام العام، ومنع الفتيات من الدخول بالحجاب إلى المؤسسات التعليمية يعني في نظرها أن تلك المؤسسات لا تقدّر معتقدات الطالبات، وهو قرار قد يعيد مسيرة تعليم مسلمات الهند سنوات إلى الوراء، بحسب تحذير البيان.
المصدر: الجزيرة نت نعيد النشر ونحفظ حق الناشر بالإشارة وامكانية الوصول